هل من الصواب شراء الذهب الآن؟

 

بعد أن حطم الذهب كل التوقعات وصعد إلى مستويات تاريخية لم يتخيلها الكثيرون (متجاوزاً حاجز 4300 دولار)، يقف المستثمرون أمام سؤال محير: هل فات الأوان، أم أن هذه مجرد بداية لعهد جديد؟

شراء أصل وهو في أعلى سعر له على الإطلاق يبدو مخالفاً للمنطق الاستثماري القائل “اشترِ عند الانخفاض وبع عند الارتفاع”. لكن قرار شراء الذهب الآن لا يعتمد فقط على سعره، بل على إجابتك للسؤال الأهم: لماذا وصل إلى هذا السعر أصلاً؟

دعنا نستعرض الحجج المؤيدة والمعارضة بأسلوب بسيط.

الحجة الأولى: “نعم، هذا هو الوقت المناسب” (المؤيدون)

يرى هذا الفريق أن القواعد القديمة قد تغيرت، وأن الارتفاع الحالي له ما يبرره:

  1. الطلب الحكومي الضخم مستمر: البنوك المركزية حول العالم (خاصة في الشرق وآسيا) تواصل شراء الذهب بكميات هائلة. هي لا تشتري للمضاربة، بل كاحتياطي استراتيجي طويل الأجل ولبناء ثقة في عملاتها بعيداً عن الدولار. هذا الطلب الثابت يخلق “أرضية صلبة” للسعر.
  2. العالم لم يصبح أكثر أماناً: التوترات الجيوسياسية، والديون الحكومية الهائلة، وعدم اليقين الاقتصادي.. كل العوامل التي أشعلت الصعود لا تزال موجودة، بل وتتفاقم. الذهب هو بوليصة التأمين الوحيدة المقبولة عالمياً ضد هذه الفوضى.
  3. “الزخم” يجذب المزيد: عندما يكسر أصل ما حاجزاً نفسياً كبيراً، فإنه يلفت أنظار جميع المستثمرين. الكثير من الصناديق الاستثمارية والأفراد الذين كانوا “ينتظرون” الدخول، قد يبدأون بالشراء الآن خوفاً من تفويت المزيد من الصعود، مما يدفع السعر لأعلى.
  4. توقعات بانخفاض الفائدة: لا يزال المحرك الأساسي قائماً. مع بدء البنوك المركزية الكبرى (مثل الفيدرالي الأمريكي) في دورة خفض الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالمال في البنك أقل جاذبية، بينما يلمع الذهب الذي لا يدفع فائدة.

 

الحجة الثانية: “لا، هذا جنون” (المعارضون)

على الجانب الآخر، يحذر فريق المتشككين من “فخ القمة”، مستندين إلى:

  1. الخطر الأكبر: الشراء عند القمة: القاعدة الذهبية في الاستثمار هي تجنب الشراء بدافع “الخوف من فوات الفرصة” (FOMO). الأسعار التي ترتفع بشكل عمودي وسريع جداً، غالباً ما تكون عرضة لتصحيح (انخفاض) حاد بنفس السرعة.
  2. خطر “جني الأرباح”: كل من اشترى الذهب خلال السنوات الماضية يحقق الآن أرباحاً هائلة على الورق. في أي لحظة، قد يقرر هؤلاء بيع جزء من الذهب لجني أرباحهم، وهذا البيع الجماعي يمكن أن يتسبب في انخفاض السعر.
  3. الذهب حساس للأخبار: السعر الحالي يعكس كل الأخبار السيئة المتوقعة. ماذا لو حدث العكس؟ أي انفراجة سياسية مفاجئة، أو بيانات اقتصادية أقوى من المتوقع قد تدفع البنوك لإبقاء الفائدة مرتفعة، وهذا “سيناريو كارثي” لسعر الذهب على المدى القصير.
  4. التاريخ يعلمنا الحذر: تذكرنا الأسواق بما حدث في فقاعات سابقة (سواء للذهب في الثمانينيات أو لأسواق أخرى). عندما يتفق الجميع على أن شيئاً ما سيستمر في الارتفاع إلى الأبد، فعادةً ما يكون هذا هو وقت الحذر الشديد.

 

إذاً، ما هو القرار الصائب؟

لا يوجد جواب واحد يناسب الجميع، لكن يمكن التفكير في الأمر كالتالي:

  • إذا كنت مضارباً قصير الأجل: فإن شراء الذهب الآن هو “مخاطرة عالية جداً”. أنت تراهن على أن الزخم سيستمر، لكنك قد تتعرض لخسائر سريعة إذا انعكس الاتجاه.
  • إذا كنت مستثمراً طويل الأجل (5 سنوات فأكثر): يصبح السؤال مختلفاً. أنت لا تشتري بسبب صعود الأمس، بل لأنك تؤمن بأن دور الذهب كـ “مال حقيقي” في عالم مضطرب سيزداد أهمية. بالنسبة لك، سعر اليوم قد لا يكون مهماً مقارنة بسعره بعد 10 سنوات.

نصيحة يتبعها الكثيرون: “التجزئة”

بدلاً من وضع كل أموالك المخصصة للذهب مرة واحدة عند هذا السعر المرتفع، يمكنك اتباع استراتيجية “متوسط التكلفة” (Dollar-Cost Averaging):

  1. اشترِ بجزء من المبلغ الآن (مثلاً 25%).
  2. انتظر: إذا انخفض السعر، اشترِ بجزء آخر (ستكون سعيداً لأنك اشتريت بسعر أقل).
  3. وإذا ارتفع السعر أكثر؟ اشترِ بالجزء التالي (ستكون سعيداً لأنك اشتريت جزءاً بالسعر الأقل سابقاً).

بهذه الطريقة، أنت لا تحاول “توقع” القمة أو القاع، بل تشتري على مراحل لتقليل متوسط تكلفة الشراء عليك، وهو ما يقلل المخاطرة بشكل كبير في سوق متقلب وصل لتوّه إلى قمة تاريخية.